سورة العنكبوت - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (العنكبوت)


        


قوله {ويستعجلونك بالعذاب} يراد به كفار قريش في قولهم ائتنا بما تعدنا، وغير ذلك من استدعائهم على جهة التعجيز والتكذيب عذاب الله الذي يتوعدهم محمد صلى الله عليه وسلم به، ثم أخبر تعالى أنه يأتيهم {بغتة} أي فجأة وهذا هو عذاب الدنيا وهو الذي ظهر يوم بدر في السنين السبع.
ثم ذكر تعالى أن تأخره إنما هو حسب الأجل المقدور السابق، وقال المفسرون عن الضحاك: أن الأجل المسمى في هذه الآية الآجال..
قال الفقيه الإمام القاضي: وهذا ضعيف يرده النظر، والآجال لا محالة {أجل مسمى} ولكن ليس هذا موضعها، ثم توعدهم تبارك وتعالى بعد عذاب الآخرة في قوله {يستعجلونك بالعذاب وإن جهنم لمحيطة بالكافرين}، كرر فعلهم وقبحه، أخبر أن وراءهم إحاطة جهنم بهم وقال عكرمة فيما حكى الطبري إن {جهنم} هاهنا أراد بها البحر.
قال الفقيه الإمام القاضي: وهذا ضعيف، وقوله تعالى: {يوم يغشاهم} ظرف يعمل فيه قوله {محيطة}، و{يغشاهم} معناه يغطيهم من كل جهة من جهاتهم، وقرأ نافع وعاصم وحمزة والكسائي {ويقول} أي ويقول الله، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر {ونقول} بالنون، فإما أن تكون نون العظمة أو نون جماعة الملائكة، وقرأ ابن مسعود {ويقال} بياء وألف وهي قراءة ابن أبي عبلة، وقوله تعالى: {ذوقوا} توبيخ، وتشبيه مس العذاب بالذوق، ومنه قوله {ذق إنك أنت العزيز الكريم} [الدخان: 49]، ومنه قول أبي سفيان: ذق عقق ونحو هذا كثير، وقوله تعالى: {ما كنتم تعملون} أي بما في أعمالكم من اكتسابكم.


هذه الآيات نزلت في تحريض المؤمنين الذين كانوا بمكة على الهجرة، فأخبرهم تعالى بسعة أرضه وأن البقاء في بقعة على أذى الكفار ليس بصواب، بل الصواب أن تلتمس عبادة الله في أرضه، وقال ابن جبير وعطاء ومجاهد: إن الأرض التي فيها الظلم والمنكر تترتب فيها هذه الآية وتلزم الهجرة عنها إلى بلد حق، وقاله مالك، وقال مطرف بن الشخير قوله {إن أرضي واسعة} عدة بسعة الرزق في جميع الأرض، وقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر {يا عباديَ} بفتح الياء، وقرأ ابن عامر وحده {إن أرضيَ} بفتح الياء أيضاً، وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي بسكونها، وكذلك قرأ نافع وعاصم {أرضي} ساكنة، وقوله تعالى: {فإياي} منصوب بفعل مقدر يدل عليه الظاهر تقديره {فإياي} اعبدوا {فاعبدون} على الاهتمام أيضاً في التقديم، وقوله تعالى: {كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون} تحقير لأمر الدنيا ومخاوفها كأن بعض المؤمنين نظر في عاقبة تلحقه في خروجه من وطنه أنه يموت أو يجوع ونحو هذا، فحقر الله تعالى شأن الدنيا، أي أنتم لا محالة ميتون ومحشورون إلينا، فالبدار إلى إلى طاعة الله عز وجل والهجرة إليه أولى ما يمتثل، وقرأ الجمهور {ترجعون} بالتاء من فوق، ورويت عن عاصم بالياء من تحت وذكرها أبو حاتم عن أبي عمرو، وقرأ أبو حيوة {كل نفس ذائقةٌ} بالتنوين {الموتَ} بالنصب، ثم وعد المؤمنين العاملين بسكنى الجنة تحريضاً منه تعالى، وذكر الجزاء الذي ينالونه، وقرأ جمهور القراء {لنبوئنهم} من المباءة أي لننزلنهم ولنمكننهم ليدوموا فيها، و{غرفاً} مفعول ثان لأنه فعل يتعدى إلى مفعولين، وقرأ حمزة والكسائي {لنثوينهم} من أثوى يثوي وهو معدى ثوى بمعنى أقام وهي قراءة على بن أبي طالب رضي الله عنه وابن مسعود والربيع بن خيثم وابن وثاب وطلحة، وقرأها بعضهم {لنثَوّينهم} بفتح الثاء وتشديد الواو معدى بالتضعيف لا بالهمزة، فقوله {غرفاً} نصب بإسقاط حرف الجر التقدير في غرف، وقرأ يعقوب {لنبوينهم} بالياء من تحت، وروي عن ابن عامر {غُرُفاً} بضم الغين والراء، ثم وصفهم تعالى بالصبر والتوكل وهاتان جماع الخير كله أي الصبر على الطاعات وعن الشهوات.


{كأين} بمعنى كم، وهذه الآية أيضاً تحريض على الهجرة لأن بعض المؤمنين فكر في الفقر والجوع الذي يلحقه في الهجرة وقالوا غربة في بلد لا دار لنا فيه ولا عقار ولا من يطعم فمثل لهم بأكثر الدواب التي تتقوت ولا تدخر ولا تروي في رزقها، المعنى فهو يرزقكم أنتم، ففضلوا طاعته على كل شيء، وقوله تعالى: {لا تحمل} يجوز أن يريد من الحمل أي لا تستقل ولا تنظر في ادخار، وقاله ابن مجلز ومجاهد وعلي بن الأقمر.
قال الفقيه الإمام القاضي: والادخار ليس من خلق الموقنين، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن عمر: «كيف بك إذا بقيت في حثالة من الناس يخبئون رزق سنة بضعف اليقين»، ويجوز أن يريد من الحمالة أي لا تتكفل لنفسها ولا تروي فيه، ثم خاطبه تعالى بأمر الكفار وإقامة الحجة عليهم بأنهم إن سئلوا عن الأمور العظام التي هي دلائل القدرة لم يكن لهم إلا التسليم بأنها لله تعالى، و{يؤفكون} معناه يصرفون، ونبه تعالى على خلق السماوات وخلق الأرض وتسخير الكواكب وذكر عظمها فاقتضى ذلك ما دونه، ثم نبه على بسط الرزق وقدره لقوم، وإنزال المطر من السماء، وهذه عبر كفيلة لمن تأمل بالنجاة والمعتقد الأقوم، ثم أمر تعالى نبيه بحمده على جهة التوبيخ لعقولهم وحكم عليهم بأن {أكثرهم لا يعقلون} ولا يتسدد منهم نظر.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8